الإلمام بأحاديث الأحكام ومعه حاشية ابن عبد الهادي
احسان عبد القدوس
Casa editrice: Rufoof
Sinossi
التفقُّهَ في الدِّين منزلةٌ لا يخفى شرفُها وعُلاها، ولا تَحتجِبُ عن العقل طوالعُها وأَضْواها، وأرفعُها بعد فهمِ كتاب اللَّه المُنْزَل، البحثُ عن معاني حديث نبيِّه المرسَل، إذ بذلك تثبُتُ القواعدُ ويستقِرُّ الأساس، وعنه يصدُرُ الإجماعُ ويقومُ القياس، وما تقدَّمَ شرعًا تعيَّنَ تقديمُهُ شُروعًا، وما كان مَحمولًا على الرأسِ لا يَحْسُنُ أنْ يُجْعَلَ موضوعًا. لكنَّ شَرْطَ ذلك عندنا أَنْ يُحْفَظَ هذا النِّظام، ويُجعَلَ الرأيُ هو المؤتمَّ والنصُّ هو الإمام، وتُرَدَّ المذاهبُ إليه، وتُضَمَّ الآراءُ المنتشرة حتى تقِفَ بينَ يدَيه، وأما أَنْ يُجعَلَ الفرعُ أصلًا؛ بردِّ النصِّ إليه بالتكلُّف والتَّحيُّل، ويُحمَلَ على أبعدِ المحاملِ بلطافةِ الوَهْمِ وسَعَةِ التخيُّل، ويُرْكَبَ في تقريرِ الآراءِ الصَّعبُ والذَّلُول، ويُعْمَلَ مِنَ التأويلات ما تنفِرُ عنه النفوسُ وتَستنكِرُه العقول، فذلك عندنا مِنْ أردأ مذهبٍ وأسوأ طريقة، ولا يُعتقدُ أنَّه تحصُلُ معه النصيحةُ للدِّين على الحقيقة، وكيف يقعُ أمرٌ مع رُجحانِ مُنَافيه؟ وأنَّى يَصِحُّ الوزنُ بميزانٍ مالَ أحدُ الجانبين فيه؟ ومتى يُنْصِفُ حاكمٌ ملكَتْهُ غَضَبِيةُ العصبيةِ؟ وأينَ يقعُ الحقُّ مِنْ خاطرٍ أخذتْة العزَّةُ بالحَمِيَّة؟ وأنَّى يُحْكَمُ بالعدل عند تعادُلِ الطَّرفَين، ويظهرُ الجَوْرُ عند تَقايُلِ المُتَحرِّفَين؟! هذا، وإنَّ كتابَ "الإلمام بأحاديث الأحكام" للإمام المُجتهد المُجدِّد ابنِ دّقيق العيد -رحمه اللَّه- لا نظيرَ له في الكتبِ المصنَّفةِ في الأحكام الجامعةِ بينَ الحلالِ والحرام، بل هو مِنْ أجلِّ ما صُنِّفَ في بابه، يحفظُه المُبتدِئ المُستفيد، ويُناظِرُ فيه الفقيهُ المُفِيد .