مع المتنبي
عمر حسن
Publisher: العربية للإعلام والفنون والدراسات الإنسانية والنشر (أزهى)
Summary
لا أريد أن أدرس المتنبي إذن؛ فالذين يقرءون هذه الفصول لا ينبغي أن يقرءوها على أنها علم، ولا على أنها نقد، ولا ينبغي أن ينتظروا منها ما ينتظرون من كتب العلم والنقد، وإنما هُوَ خواطر مرسلة تثيرها فِي نفسي قراءة المتنبي فِي قرية من قرى الألب فِي فرنسا، قراءة المتنبي فِي غير نظام ولا مواظبة، وعلى غير نسق منسجم، إنما هي قراءة متقطعة متفرقة، أقصد إِلَيْهَا أحيانًا لأني أريدها، وأقصد إِلَيْهَا أحيانًا أخرى؛ لأن نفسي تنازعني إلى كتَّاب الأدب الفرنسي، فأعاندها وأمانعها وأُكرِهها على أن تسمع للمتنبي أو تتحدث إليه. هي قراءة إنْ صورت شيئًا فإنما تُصور طغيان المرء على نفسه، ولعبه بوقته، وعبثه بعقله، وعصيانه لهواه، وطاعته لهذا الهوى أحيانًا. وقُل ما تشاء فِي هَذَا الكلام الذي تقرؤه: قُل: إنه كلام يمليه رجل يفكر فيما يقول. وقل: إنه كلام يهذي به صاحبه هذيانًا. قُل: إنه كلام يصدر عَنْ رأيٍ وأناة. وقل: إنه كلام يصدر عَنْ شذوذ وجموح. فأنت محقٌ فِي هَذَا كله؛ لأني مرسل نفسي على سجيتها. طه حسين