يوم الملتان
جُرجي زيدان
Verlag: Nahdet Misr
Beschreibung
كان الخليفة الأموي في تلك الأيام رجلاً قوياً يسمى عبد الملك بن مروان، وكان يختار أشجع القواد وأذكى الرجال فيوليهم إدارة البلاد، وقد وثق في رجل شجاع قوي القلب يسمى الحجاج بن يوسف الثقفي وولاه بلاد العراق ليعيد فيها الأمن ويخضع الثائرين، فذهب إليها ذلك القائد وأخضع الثورة وأعاد الأمن وسير الجيوش لتتم فتح بلاد الفرس. وتطلع ذلك القائد القوي إلى بلاد السند، وفكر في افتتاحها كلها وضمها إلى بلاد الإسلام، ولم تقتصر همته على ذلك الجزء الصغير الذي دخله المسلمون منذ أيام الخليفة عثمان بن عفان، وكانت سفن الأسطول العربي التجاري تخرج من البصرة الواقعة في رأس الخليج العربي محملة بالمتاجر العربية، وتمر بموانئ السند، ثم تعود محملة بالعاج والعطور والتوابل وجوز الهند والجواهر الثمينة والحيوانات الغريبة والطيور العجيبة، فتفرغ ما تحمله في ميناء البصرة، ومن ذلك الميناء يحمل إلى الشام ومصر وغيرها من البلاد البعيدة. وقد اعتنى الحجاج بالإسطول وأدخل عليه تحسينات جديدة زادت سفنه قوة ومكنتها من السير في البحار الواسعة، لكنها كانت تخاف من لصوص البحر الذين كانوا يخرجون في مراكبهم الخفيفة فيهاجمونها وينهبونها ويقتلون ركابها إذا حاولوا أن يقاوموهم. وكان أخطر هؤلاء اللصوص جماعة من سكان مدينة "الديبل" من بلاد السند على ساحل البحر، عند مصب النهر الكبير الذي يسمى نهر "الملتان". وكان يحكم تلك المدينة حاكم تابع للملك داهر، ولم يكن ما يصنعه هؤلاء اللصوص خافياً على الملك بل كان يعرف غارتها على سفن العرب، ويسر حين يعلم أنهم نهبوا أكبرالسفن، واستولوا على ما فيها من المتاجر والناس. فاشتد غيظ الحجاج، وعزم على إرسال جيش قوي يهاجم تلك المدينة التي يقيم فيها اللصوص ويؤدبهم، ويؤدب حاكمهم الذي لا يكف أيديهم عن الأذى، ويختبر تلك البلاد ويعرف أحوالها، ولكنه أخذ يفكر في خلق سبب لإرسال ذلك الجيش.