يوم اليرموك
ابن حجر العسقلاني
Verlag: Nahdet Misr
Beschreibung
استيقظ هرقل ملك الروم ذات يوم مبكراً، فارتدى ملابسه، ونزل إلى حديقة قصره الواسعة، وسار بين أشجارها العالية وأزهارها اليانعة، ثم وقف عند شجرة من الأشجار الكبيرة، ونظر إلى بعض الأزهار نظرة طويلة، ثم تركها وسار إلى شجرة أخرى، ثم تركها وسار إلى غيرها، وهكذا أخذ يتنقل من جانب إلى جانب. كان هرقل يريد أن يطردهما ملأ صدره منذ أيام، فاستمر سائراً بين الأغصان والأزهار حتى أشرقت الشمس، فوقف قليلاً بجانب حوض مملوء بالزهر الأحمر والأبيض والأصفر، ثم سار في الحديقة يقطف زهرة ويفركها بإصبعه ثم يلقيها، وهكذا حتى ارتفعت الشمس في السماء، فجلس في ظل شجرة كبيرة بجانب بركة ماء في وسط الحديقة، ووضع ذراعه على جانب الكرسي ثم وضع رأسه على يده وأخذ ينظر إلى الماء وعقله سابح في أفكار بعيدة. لكن الخادم أقبل إليه وأخبره أن الوزير بالباب، فانتبه من تفكيره وقال: ائذنوا له! أقبل الوزير حتى اقترب من الملك، فوقف وركع صائحاً: أصبح مولاي بالخير ودام عزه وسلطانه وخيره. ثم اعتدل ووقف مثل التمثال لا يتحرك، فاشار اليه الملك أن يقترب، فاقترب خطوة خطوة حتى سمح له الملك بالجلوس، فجلس على كرسي بعد الكرسي الذي بجانب الملك، ووضع راحة إحدى يديه على الأخرى، ونصب عنقه ووجه بصره إلى الملك منتظراً ما يأمره به. كانت عينا الملك تنظر إلى الماء وعقله هائماً في همه، فقال للوزير دون أن يلتفت إليه: كيف الحال أيها الوزير؟ فوقف الوزير وركع أمام الملك، ثم اعتدل وقال في أدب: نفذنا ما أشار به مولاي! قتلنا عشرة آلاف من أهل الشام وقتلنا مثلهم من أهل مصر! قتلنا الرجال والنساء والأطفال! دخل جنودنا القرى فنهبوها، وأخذوا ما فيها من الحب والحيوان، وما طاب لهم يا مولاي مما وجدوه! أما المدن، فلم يتبق بيت في الشام ولا في مصر إلا أخذنا أطيب ما فيه.